سورة الأنبياء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{وَكَمْ قَصَمْنَا} أهلكنا، والقصم: الكسر، {مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} أي كافرة، يعني أهلها، {وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا} أي: أحدثنا بعد هلاك أهلها، {قَوْمًا آخَرِينَ} {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} أي رأوا عذابنا بحاسة البصر، {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} أي يسرعون هاربين. {لا تَرْكُضُوا} أي قيل لهم لا تركضوا لا تهربوا، {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} أي نعمتم به، {وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} قال ابن عباس: عن قتل نبيكم. وقال قتادة: من دنياكم شيئا، نزلت هذه الآية في أهل حصورا، وهي قرية باليمن وكان أهلها العرب، فبعث الله إليهم نبيا يدعوهم إلى الله فكذبوه وقتلوه، فسلط الله عليهم بختنصر، حتى قتلهم وسباهم فلما استمر فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا، فقالت الملائكة لهم استهزاء: لا تركضوا وارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم لعلكم تسألون.
قال قتادة: لعلكم تسألون شيئا من دنياكم، فتعطون من شئتم وتمنعون من شئتم، فإنكم أهل ثروة ونعمة، يقولون ذلك استهزاء بهم، فاتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف، ونادى مناد في جو السماء: يا ثارات الأنبياء، فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم. {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}. {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} أي تلك الكلمة وهي قولهم يا ويلنا، دعاؤهم يدعون بها ويرددونها.
{حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} بالسيوف كما يحصد الزرع، {خَامِدِينَ} ميتين. قوله عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} أي عبثا وباطلا.


{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} اختلفوا في اللهو، قال ابن عباس في رواية عطاء: اللهو المرأة، وهو قول الحسن وقتادة، وقال في رواية الكلبي: اللهو الولد، وهو قول السدي، وهو في المرأة أظهر لأن الوطء يسمى لهوا في اللغة، والمرأة محل الوطء {لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} أي من عندنا من الحور العين لا من عندكم من أهل الأرض. وقيل: معناه لو كان جائزا ذلك في صفته لم يتخذه بحيث يظهر لهم ويستر ذلك حتى لا يطلعوا عليه.
وتأويل الآية أن النصارى لما قالوا في المسيح وأمه ما قالوا رد الله عليهم بهذا وقال: {لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده، لا عند غيره {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} قال قتادة ومقاتل وابن جريج: {إِنْ} للنفي، أي: ما كنا فاعلين. وقيل: {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} للشرط أي إن كنا ممن يفعل ذلك لاتخذناه من لدنا، ولكنا لم نفعله لأنه لا يليق بالربوبية. {بَلْ} أي دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل، {نَقْذِفُ} نرمي ونسلط، {بِالْحَقِّ} بالإيمان، {عَلَى الْبَاطِلِ} على الكفر، وقيل: الحق قول الله، أنه لا ولد له، والباطل قولهم اتخذ الله ولدا، {فَيَدْمَغُهُ} فيهلكه، وأصل الدمغ: شج الرأس حتى يبلغ الدماغ، {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} ذاهب، والمعنى: أنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يضمحل ويذهب، ثم أوعدهم على كذبهم فقال: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ} يا معشر الكفار، {مِمَّا تَصِفُونَ} الله بما لا يليق به من الصاحبة والولد. وقال مجاهد: مما تكذبون. {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} عبيدا وملكا، {وَمَنْ عِنْدَهُ} يعني الملائكة، {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها، {وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} لا يعيون، يقال: حسر واستحسر إذا تعب وأعيا. وقال السدي: لا يتعظمون عن العبادة. {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} لا يضعفون ولا يسأمون، قال كعب الأحبار: التسبيح لهم كالنفس لبني آدم.


{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً} استفهام بمعنى الجحد، أي لم يتخذوا، {مِنَ الأرْضِ} يعني الأصنام من الخشب والحجارة، وهما من الأرض، {هُمْ يُنْشِرُونَ} يحيون الأموات، ولا يستحق الإلهية إلا من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم والإنعام بأبلغ وجوه النعم. {لَوْ كَانَ فِيهِمَا} أي في السماء والأرض، {آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ} أي غير الله {لَفَسَدَتَا} لخربتا وهلك من فيهما بوجود التمانع بين الآلهة لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام، ثم نزه نفسه فقال: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} أي عما يصفه به المشركون من الشريك والولد. {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} ويحكم على خلقه لأنه الرب {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} أي الخلق يسألون، عن أفعالهم وأعمالهم لأنهم عبيد {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} استفهام إنكار وتوبيخ، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} أي حجتكم على ذلك، ثم قال مستأنفا، {هَذَا} يعني القرآن. {ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} فيه خبر من معي على ديني ومن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. {وَذِكْرُ} خبر، {مَنْ قَبْلِي} من الأمم السالفة ما فعل بهم في الدنيا وما يفعل بهم في الآخرة. وعن ابن عباس في رواية عطاء: ذكر من معي: القرآن، وذكر من قبلي: التوراة والإنجيل، ومعناه: راجعوا القرآن والتوراة والإنجيل وسائر الكتب هل تجدون فيها أن الله اتخذ ولدا، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8